تجربتي في مقهى بلنز
العامل المشترك في المشاريع والتجارب الناجحة والفاشلة هو تولد الخبرة بغض النظر عن النتائج المتحققة، وهنا أحاول مشاركة القارئ الكريم تجربتي في مشروع مقهى بلنز من خلال استعراض سريع للتجربة والإجابة على سؤال “لماذا أغلقت بلنز؟”
مقدمة
في 11/07/1430 هـ تم افتتاح مقهى بلنز برأس مال 600,000 ريال تقريبا كنشاط جديد لمجموعة صدى القمم استمر المشروع قرابة الخمس سنوات بعدها تم اتخاذ قرار باغلاقه بشكل نهائي.
كانت رؤيتنا للمشروع هي مقهى يقدم المشروبات والمأكولات الخفيفة جداُ بجودة عالية وفق مقاييس مستنسخة في البداية ثم تطور وتعدل مع تنامي الخبرة، مع إيجاد بيئة نظيفة ومريحة للمرتادين للاستجمام واللقاءات والاجتماعات والقراءة. حققنا جانب من هذه الرؤية بشكل جيد وأصبح المقهى بفضل الله أفضل مكان في المنطقة يقصد لهذا الغرض، ولكننا لم نستطيع تحقيق الربح التجاري الذي يجعله على الأقل يستمر فضلا عن أن ينمو، فاستطعنا أن نحقق أهدافنا القيمية ولكننا لم ننجح في تحقيق هدفنا التجاري ولأن المشروع في مقامه الأول يهدف للربح فلن نستمر بخسارة مادية .
عوامل الجذب في المقاهي بشكل عام
ولكي أضع يدي على جزء من المشكلة دعني أطرح وجهة نظر حول عوامل الجذب أو الأسباب التي تجعل الزبون يرتاد المقهى وهي تقريبا أربعة أسباب رئيسية قد ينحدر تحت كل سبب أسباب آخرى
1- جودة المشروب : أو الأكل الذي يقدم ، يعني يُقصد المقهى في المقام الأول من أجل المشروب أو المخبوز الذي يقدمه بغض النظر عن المكان أو سبب آخر ، مثال ذلك الدانكن دونات .
2- المكان : مكان مريح ومناسب للقاءات والاجتماعات الثنائية الخفيفة أو حتى الجلوس للاستجمام والترويح عن النفس ويقصد لهذا الغرض .
3- العلامة التجارية : للمقهى فيتجه الناس احيانا لمقهى بعينه من باب البرستيج كونه جالس في المقهى الفلاني فله معنى أو شعور خاص عند البعض
4- الخدمات المضافة للمقهى : مثل الشاشات وانترنت عالي السرعة ومكتبة الكتب والدورات التي تقدم وقاعة الاجتماعات ، والحقيقة أن أكبر خدمة مضافة تجلب زبائن هي الشاشات وخصوصا الشاشات المعدة للمباريات .
فلابد من التركيز على أكثر من عامل مع الحد الأدنى لبقية العوامل .
السؤال هنا أين يقع بلنز من هذه العوامل ؟
في العامل الأول بلنز يقدم مشروبات بجودة جيدة وتميز ببعض المشروبات مثل الاسبريسو وما يندرج تحته وبعض المأكولات وخصوصا الكروسان والكوكيز ، لكن هذا التميز ليس بالحجم الذي يجعله سبب يتنادى له الزبائن و يكون طابور لانتظار الطلب.
في العامل الثاني وهو المكان وهو أقوى العوامل في بلنز لكنه وحده لا يكفي والزبون من هذا النوع وخصوصا في منطقة متوسطة الدخل عادة يرتاد المقهى بشكل مستمر فيكون حريص على الطلبات الأقل تكلفة فيختار أحياناً أرخص مشروب في القائمة ويدمن عليه .
في العامل الثالث العلامة التجارية مع أن الاسم والهوية جيدة لكنه يضل ليس علامة تجارية يقصد من أجلها .
في العامل الرابع : القيمة المضافة أو الخدمة المضافة وهي في بلنز مكتبة الكتب وغرفة الاجتماعات والانترنت عالي السرعة ، وهذه القيم جيدة لكن روادها محدودين مع وجود عدد لا بأس به منهم .
إذا بلنز لم يركز على عامل من عوامل الجذب أو على الميزة أو القيمة التي ممكن ان تكون سبب لجعل الزبائن يتوافدون له بشكل جيد ،
والسؤال هنا ماهو السبب ؟
هناك اسباب عديدة في كل عامل أهمها عدم توفر السيولة عند الحاجة للتطوير او تنفيذ فكرة، طبيعة المكان والمنطقة، تغير العمالة المستمر، البعد عن الاشكالات الشرعية مثل الشاشات والمباريات ،القصور في بعض الجوانب الإدارية والتسويقية خصوصا في بداية المشروع مع تشتت الإدارة في أكثر من مشروع في نفس الوقت
عوامل آخرى متفاوته في قوة التأثير
1- صعوبة الإدارة لكثرة التفاصيل في مثل هذه المشاريع مواد كثيرة ومفصلة ، عمالة، صيانة دورية ، تسويق ، رقابة دائمة ودقيقة ، مشتريات ، مستودع ، كل هذا على فرع واحد فإذا كان الدخل غير مجدي يساعد على التوسع فسيكون مشروع مرهق جداً ، وتخصيص وتفويض من يقوم بذلك مكلف إذا كان الشخص صاحب خبرة وكفاءة
2- أنظمة وزارة العمل المرهقة مثل ضريبة 2500 ر.س سنوياً لكل عامل ، وصعوبة الاستقدام مما يجعل إدارة العمالة صعب خوفا من تركهم العمل او الاضراب مع عدم وجود بديل وتكرر حدوث ذلك عدة مرات .
3- الموقع في منطقة تمر بها السيارات بشكل سريع مما يصعب رؤيته والوقوف عنده مع عدم كفاية المواقف وعدم وجود مكان لطلبات السيارات.
4- اللوحة كانت جميلة لكن دلالات أنها مقهى لم تكن قوية بالشكل المطلوب.
5- رغم الخسارة المادية في المشروع إلا أن هناك ثمة علاقة عاطفية تربطنا كاصحاب مشروع ببلنز وهذا من أسباب ازدياد الخسارة والتأخر في قرار التوقف فالارتباط العاطفي بالمشروع رغم جماله إلا انه قد يكون عامل سلبي إذا وصل لحد صعوبة اتخاذ القرار بالتوقف أو تغيير النشاط
توصيات متفرقة .
1-دراسة الجدوى يعتقد البعض انها من الكماليات ، لكنها مهمة جدا فينبغي العناية بها قبل المشروع ولو بأبسط صورها .
2- لا تستهين بذوق العميل ولا تتنازل بشرط الجودة في كل ماتقدم ، والجودة لا تعني دائما اختيار الأعلى سعرا أو المبالغة في المعايير.
3- اطرح على نفسك سؤال مالجديد أو مالقيمة التي سيقدمها المقهى
4- العامل – مدير او مقدم الطلبات – له دور هام في مثل هذه المشاريع وقد يكون السبب في ترجيح كفة النجاح للمشروع وأيضا سبب رئيسيا لفشله .
5- مشروع اكشاك المقهى في محطات الوقود والاسواق او ما يسمى ب Drive thru coffee قد يكون خيار أسهل وأقل تكلفة لكن المنافسة فيه عالية فقد تستطيع النجاح في الأماكن التي تكون الخيارات لدى الزبون قليلة أو أنك تقدم شيء مميز جدا لا يقدمه غيرك .
وأخيراً
وإن كنا خسرنا ماديا فقد استفدنا خبرة لا بأس بها في مجال الأعمال والمشاريع الصغيرة بشكل عام ومشاريع الأغذية بشكل خاص وكسبنا أيضا تقديم خدمة اجتماعية للناس في المنطقة وساهمنا بتشجيع الكثير على القراءة فأذكر أن أحدهم يقول قرأت في بلنز مجموعة ذكريات الطنطاوي كاملة (8 أجزاء) ، وأحدهم جاء للمقهى أثناء التصفية ولما فتحنا فرح فرحا شديداً ليسأل عن كتاب كان ينوي قرأته مع العلم أنه لم تظهر عليه آثار الثقافة :) وقال من بلنز أحببت القراءة وادمنت عليها والنماذج كثيرة .
بقي أن أقول أننا لم نتخلى عن اسم بلنز وقد نستخدمه في منتج آخر ، وللمعلومية بلنز كلمة عربية فصحى والمعنى في بطون المعاجم .
أسعد كثيرا بتعليقاتكم وإضافاتكم ، كما أسعد بتقديم استشارة مجانية حول مشروع المقاهي عبر الايميل أو المدونة، أو من خلال مقابلة شخصية لأول طلبين في الردود على أن يكون في مدينة الرياض مقابل كوب لاتيه :) سمعت هذه المبادرة في مقطع صوتي لشخص نسيت اسمه واعجبتني.
#بلنز_يودعكم
